في كل صباح، ثمة لحظة صغيرة نعيد فيها ترتيب ذواتنا قبل مواجهة العالم. لحظة تبدو عابرة، لكنها تحمل سرّ توازن يوم كامل؛ نغسل فيها وجوهنا من آثار الأمس، نرتّب أفكارنا، ونستعد لعبور ساعات جديدة. تلك اللحظة تختصر معنى الروتين، المفهوم الذي طالما ارتبط في الأذهان بالملل والرتابة، رغم كونه أحد أسرار الاستقرار النفسي والذهني.
غالبًا ما يُنظر إلى الروتين على أنه تكرار ممل للأيام، وكأننا نعيش النسخة نفسها من الوقت بتاريخ مختلف. غير أن الحقيقة أبعد من ذلك؛ فالروتين ليس قيدًا على الحياة، بل أسلوب ذكي لتنظيمها، وحاجزًا واقيًا من الفوضى التي تُربك تفاصيل يومنا وتستنزف طاقتنا دون أن نشعر.
الروتين استقرارٌ للنفس قبل أن يكون جدولًا للوقت. صحيح أنه قد يتحوّل إلى ملل ورتابة حين نُسيء تطبيقه، إلا أن جوهره يقوم على عادات صغيرة تمنحنا الطمأنينة. من ترتيب السرير في الصباح، إلى فنجان القهوة، ثم الانطلاق نحو العمل أو الدراسة، ليست هذه التفاصيل روتينًا مملًا، بل نقاط توازن نحتاجها لنبدأ يومنا بثبات ووضوح.
ولا يقتصر أثر الروتين على الجانب النفسي فحسب، بل يمتد ليشمل الصحة الجسدية أيضًا. فاتباع مواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ، كما يوصي الأطباء، يساعد في تنظيم الساعة البيولوجية للجسم، ويخفف من القلق والتوتر، ويحسّن جودة النوم. كذلك، فإن تحديد أوقات منتظمة لتناول الطعام يدعم صحة الجهاز الهضمي ويحافظ على توازن الجسم، وهو ما يؤكد عليه اختصاصيو التغذية باعتباره عنصرًا أساسيًا للحفاظ على طاقة مستقرة طوال اليوم.
من هنا، يتبيّن أن الروتين ليس الصورة النمطية التي وُصم بها طويلًا؛ فهو ليس سجنًا للوقت ولا عدوًا للإبداع، بل سكينة يومية وتنظيم هادئ لعادات لا يمكن الاستغناء عنها. ورغم أننا نتعامل معه أحيانًا على أنه تكرار، إلا أنه في جوهره قد يتحوّل إلى أرض خصبة للإبداع. فعندما تُضبط التفاصيل الصغيرة، نترك مساحة أوسع لعقولنا كي تبتكر، ونمنح أنفسنا القدرة على تطوير حياتنا ومواجهة تحدياتها بثبات ووعي.
-الرئيسية- 14/12/2025
بين الاستقرار والإبداع: قوة الروتين
2025-12-14 08:23
مريم سلامة
68 مشاهدة
1 دقائق قراءة
صورة رئيسية
لمتابعة المزيد من الأخبار يمكنكم الاشتراك بقناتنا على الواتساب: Whatsapp Channel
يوتيوب: youtube.com/4
تلغرام: Telegram
شارك المقال
منوعات
الرئيسية
أخبار