أن تعيش في الشرق الأوسط يعني أن تحظى بـ”نعمة” القلق الدائم. قلق من الماضي، من الحاضر، ومن الغد. فأنت وسط حلقة نار من صراعات متشابكة تبدأ بالأمن ولا تنتهي عند العادات والتقاليد، وصولاً إلى أدق تفاصيل يومك. وكيف لا؟ وقد حلّت خمس دول عربية بين أسوأ عشرين دولة على قائمة “مؤشر هانكي للبؤس العالمي” لعام 2023.
هل تساءلت يومًا عن سبب كل هذا البؤس والقلق؟ وإلى أي حد يمكن أن تصل انعكاساته؟
تستيقظ صباحًا فيستيقظ القلق معك، يرافقك من فنجان القهوة إلى محاولة تنظيم يومك، ثم إلى زحمة السير الخانقة، وضغط العمل، ولقاء المتطفلين، والعودة إلى مهام لا تنتهي. وتبلغ ذروته عندما تضع رأسك على الوسادة لتسأل نفسك:
ماذا أنجزت اليوم؟ هل كنت جيّدًا؟ كفوءًا؟ هل نلت إعجاب الآخرين؟ أم أن بعض المواقف أربكتك فشعرت بأنك غير أهل للكفاءة؟ ثم تبدأ مهمة جديدة: القلق بشأن الغد… وما بعد الغد، إلى أن يغلبك النعاس.
لعلّ ما يجعل القلق رفيقًا دائمًا في حياتنا هو هذا العصر السريع الذي نعيش فيه… “عصر المقارنات”. سباق لا ينتهي مع الذات، ومع الآخرين الذين قد يروّجون واقعًا وهميًّا لا يمتّ للحقيقة بصلة. سباق نحو النجاح والترقية والمكانة الاجتماعية و”البزنس” والجسد المثالي وأسلوب الحياة الصحي… حياة مثالية المظهر، فارغة المعنى.
يصنَّف لبنان في المرتبة الثالثة عالميًّا والأولى عربيًّا بين الدول الأكثر بؤسًا، وفق “مؤشر هانكي” الذي وضعه أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز، ستيف هانكي، مرتكزًا في تصنيفه على معدلات البطالة والتضخم والفوائد المصرفية وتغير نصيب الفرد من الناتج المحلي.
عرف لبنان “أحزمة البؤس” بعد عام 2019 بسبب الانهيار الاقتصادي، تدهور قيمة الليرة، ارتفاع الفقر والبطالة، غياب الدولة، فقدان الثقة، جائحة كورونا، غياب الطبابة، وأخيرًا الصراعات والحرب الأخيرة… كلها عوامل ضاعفت الغضب والقلق واليأس.
يقال إن أسباب السعادة تتشابه، أما البؤس فلكل إنسان روايته الخاصة. والقلق شعور طبيعي ينشأ في مواجهة المجهول أو الخوف، لكنّه يتحوّل إلى كارثة نفسية وجسدية عندما يصبح خوفًا مفرطًا ومستمرًا من المواقف اليومية، خصوصًا عند الوصول إلى “نوبات الهلع” التي تبلغ ذروتها خلال دقائق. هذه الحالات تندرج ضمن “اضطرابات القلق”، وهي صعبة السيطرة وقد تبدأ منذ الطفولة وتستمر حتى البلوغ.
تشير الدراسات إلى أن شخصًا من بين كل أربعة يتلقى علاجًا لهذه الاضطرابات، التي تتجلى أعراضها في صعوبة التركيز، الغثيان، خفقان القلب، ارتفاع الضغط، التعرّق، الرجفة، الشعور بالخطر، الصداع، والعصبية. وتتنوّع اضطرابات القلق بين:
• رهاب الخلاء: الخوف من الأماكن العامة.
• القلق الناتج عن حالة صحية: بسبب مرض معيّن.
• اضطراب القلق المتعمّم: القلق الزائد من أي نشاط حتى الروتيني.
• اضطراب الهلع: نوبات خوف شديدة متسارعة.
• الصمت الاختياري: يظهر لدى الأطفال في مواقف محددة كالمدرسة.
• قلق الانفصال: خوف الأطفال من الابتعاد عن الأهل.
• الرهاب الاجتماعي: الخجل الشديد وتدنّي الثقة وصعوبة الاندماج.
القلق، إن تُرك بلا علاج، قد يفتح الباب على الاكتئاب الحاد، الإدمان، الانهيار النفسي والجسدي، الإرهاق المزمن، وحتى الانتحار.
وطرق المعالجة كثيرة وممكنة. وهنا تبرز مسؤولية الدولة في تأمين الطبابة النفسية والدعم المتخصص، وإقامة حملات توعية ووقاية. لكن المسؤولية الأكبر تقع على الفرد: الاعتراف بالمشكلة، طلب المساعدة، التعبير للأصدقاء، ممارسة الرياضة، التأمل، النوم المنتظم، الأكل الصحي، والهوايات المحبّبة.
لا بأس بأن تتوقف قليلًا… أن تنفّس بعمق… أن ترتاح. لست في سباق، ولستَ مضطرًا لإثبات شيء لأحد. هذا لا يعني أن تتخلى عن طموحك؛ بل يعني أن تضع أهدافك وتعمل لتحقيقها مع إدراك أن الطريق صعب، ويحتاج وقتًا وجهدًا وقبولًا بالفشل أحيانًا.
الحياة رحلة… نستمتع بتفاصيلها المرّة والحلوة. والأشياء الجميلة تحتاج وقتها لتُطهى على نار هادئة… لا لنحرقها.
-الرئيسية-8/12/2025
القلق… عادة سيئة أم خطر مخفي؟
2025-12-08 15:46
هبة حمود
64 مشاهدة
1 دقائق قراءة
صورة رئيسية
لمتابعة المزيد من الأخبار يمكنكم الاشتراك بقناتنا على الواتساب: Whatsapp Channel
يوتيوب: youtube.com/4
تلغرام: Telegram
شارك المقال
منوعات
الرئيسية
أخبار